Bene Elohim (בְּנֵי־הָאֱלֹהִים) أصل الحكاية الجزء الثاني 1

معتقد بني إسرائيل بين التعددية والتوحيد 1:2

الجزء الثاني: معتقد بني إسرائيل بين التعددية والتوحيد

 

 

عصر كتابة العهد القديم وتكوينه التاريخي

يُعدّ عصر كتابة العهد القديم من أكثر المراحل غموضًا في تاريخ الشرق الأدنى القديم، إذ لم تُكتب نصوصه في زمن موسى كما يعتقد التقليد الديني، بل بعد قرون طويلة من الأحداث التي يرويها.

فقد اختفت النسخ الأصلية المفترضة منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد (حوالي 1200 ق.م)، ولم يبدأ التدوين الفعلي إلا بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد.

بعد تدمير أورشليم على يد نبوخذ نصر سنة 586 ق.م، ودخول النخبة الإسرائيلية إلى بابل، بدأ الكتبة والكهنة في إعادة بناء الهوية الدينية والقومية لبني إسرائيل.

كانت تلك اللحظة مفصلية، إذ تحوّل التراث الشفهي القديم إلى نصوص مكتوبة تهدف إلى حفظ الذاكرة الجمعية وتنظيم العقيدة في المنفى.

ومن خلال المقارنة النصية والتحليل اللغوي، يرى معظم الباحثين أن أسفار موسى الخمسة (التوراة) جُمعت من مصادر متعددة، ودمجت تحت إشراف الكاهن عزرا في القرن الخامس قبل الميلاد.

في عهد عزرا ونحميا، تمت صياغة التوراة في شكلها الرسمي تقريبًا، حيث أعيد ترتيب القصص القديمة (عن الخلق، إبراهيم، موسى، الخروج، داود وسليمان) في بناء لاهوتي موحد يربط بين التاريخ والعهد الإلهي.

وقد مثّل ذلك العمل إعادة تعريف لجوهر الإيمان اليهودي بعد انهيار الدولة وغياب المعبد الأول.

 

التطور الديني

أما في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، فقد استمرت عملية التدوين والتحرير، فظهرت أسفار لاحقة مثل الأمثال، الجامعة، دانيال، ونشيد الأنشاد، وهي نصوص تعكس تطور الفكر الديني والفلسفي اليهودي في بيئة متأثرة بالثقافة البابلية والفارسية ثم الهلنستية.

وفي القرن الأول الميلادي تقريبًا (حوالي 90م)، اعتمد مجمع يمنية النصوص النهائية التي كوّنت ما يُعرف اليوم بالعهد القديم العبري.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن العهد القديم لم يُكتب بصورته الحالية قبل السبي البابلي، بل جُمعت مواده القديمة وأعيدت صياغتها خلاله وبعده.

الأدلة الأركيولوجية واللغوية تدعم أن معظم التراث الإسرائيلي كان شفهيًا قبل القرن السادس ق.م، وأن السبي البابلي كان التحول التاريخي الأكبر الذي دفع نحو التدوين.

وقد برز دور عزرا الكاهن باعتباره الشخصية المركزية التي أشرفت على الجمع والتحرير، إذ يُنسب إليه إدخال نظام قراءة التوراة علنًا، وتنظيم النصوص في هيئتها النهائية.

بينما تُظهر المقاطع المتأخرة من العهد القديم تأثير الفكر البابلي والكلداني، سواء في قصص الخلق والطوفان أو في التصورات اللاهوتية حول القضاء والقدر والملائكة.

 

الفصل الأول: تأثير التدوين البابلي في تطور فكرة الإله الواحد (يهوه)

يُعدّ السبي البابلي (586–538 ق.م) نقطة التحول الكبرى في الفكر الديني لبني إسرائيل، إذ شهدت تلك المرحلة انتقال العقيدة من التعدد الإلهي الكنعاني إلى التوحيد الإلهي الذي سيُعرف لاحقًا باسم الإيمان بإله واحد (يهوه).

فقد كان الإسرائيليون قبل السبي، بحسب ما تكشفه النصوص الأركيولوجية والنقوش الكنعانية القديمة، يعبدون مزيجًا من الآلهة الموروثة من المحيط السامي مثل إيل كبير الآلهة وبعل إله العواصف والخصب، إلى جانب الإله يهوه الذي ارتبط بالانتصار على الشعوب وبالجبال والبرية وغيرهم والذي يرمز لهم بإلوهيم.

في فترات المملكة الإسرائيلية المبكرة، لم يكن يهوه الإله الوحيد لبني إسرائيل، بل كان إلهًا قوميًّا ضمن مجمع آلهة جامعة كما ورد في المزمور 81.

وقد أشارت نصوص أوغاريت ونقوش كونتيلة عجرود إلى وجود تداخل واضح بين يهوه وبعل، حيث تُذكر عبارات مثل «يهوه وسُكنَتُه عَشِرَتُه»، مما يدل على أن عبادة (بعل) كانت تحمل سمات وثنية متأثرة بالبيئة الكنعانية.

لكن مع وقوع السبي البابلي وتدمير أورشليم والمعبد، حدثت أزمة لاهوتية عميقة: لماذا يسمح "إيل" بهزيمة شعبه ونفيه؟

في هذا السياق، بدأ الكتبة والكهنة في إعادة تفسير العقيدة، فحوّلوا يهوه من إله محلي إلى إله كوني شامل، له السيطرة المطلقة على التاريخ والملوك والشعوب إسبدالا لإيل.

لم يعد يهوه إبن إيل مجرد إله إسرائيل، بل أصبح «إله للسماوات والأرض»، كما يظهر في أسفار العهد القديم عزرا ونحميا وإشعياء الثاني (الفصول 40–55)، التي كتبت في تلك المرحلة أو بعدها مباشرة.

 

تُظهر نصوص ما بعد السبي بوضوح هذا التحول العقائدي:

فقد اختفى ذكر (بعل) و(إيل) تقريبًا من الخطاب الديني الرسمي، واستُبدل بمركزية اسم «يهوه» باعتباره الوحيد الباقي الأزلي القدير.

تزامن ذلك مع بداية جمع التوراة في صيغتها النهائية، وهو ما منح هذا الفكر الجديد إطارًا تشريعيًا ولاهوتيًا موحدًا.

 

تأثير بابل والكلدانيين

لا يمكن إغفال التأثير البابلي في هذا التحول؛ فالإقامة في بابل لم تكن مجرد نفي سياسي، بل كانت مدرسة فكرية ولاهوتية.

تعرّف الكتبة الإسرائيليون هناك على تراثٍ غنيّ من الميثولوجيا البابلية — مثل ملحمة الخلق (إنوما إيليش) وأسطورة الطوفان في جلجامش — فقاموا بإعادة صياغة بعض الرموز والمفاهيم ضمن إطار توحيدي جديد.

تجلّى هذا التأثير في سرديات الخلق، والطوفان، والعهد الإلهي، لكنها في التوراة لم تعد تُقدَّم كصراع بين آلهة متعددة، بل كإرادة إله واحد يحكم الكون بأسره تأثرا بالحضارات الأخرى الموحدة.

بهذا التدوين الجديد، أصبحت عقيدة بني إسرائيل مختلغة ما بين الكتبة في الآلهة "إيلوهيم" وما بين "يهوه" كرموز لهوية إسرائيل الروحية والسياسية بإمتداد شعب إسرائيل من نسل الالهة، وأُعيد تفسير التاريخ على أنه تاريخ الخلاص الإلهي "لبني إلوهيم" - (בְּנֵי הָאֱלֹהִים) (Bene Elohim) (Sons of God) التي تعني أبناء الآلهة بالبنوة، الذين عاقبوهم حين عبدوا آلهة أخرى، و وعدوهم بالعودة للأرض المقدسة إذا عادوا وتجمعوا تحت لواء يهوه المستحق الوحيد للعبادة.

و لقد صاغ السبي البابلي – من خلال الألم والاغتراب – البذرة الأولى لما سيُعرف لاحقًا بـ التوحيد العرقي والأخلاقي الذي ميّز الديانة اليهودية الكلاسيكية في القرن السادس ق.م.

 

تاريخ تدوين أسفار العهد القديم: دراسة أكاديمية وفق نتائج النقد الكتابي الحديث

تتناول هذه الدراسة إعادة تأريخ تدوين أسفار العهد القديم في ضوء النقد التاريخي واللغوي الحديث، مع التركيز على الحقبة اللاحقة للسبي البابلي (586 ق.م). وتبين النتائج أن التدوين الحقيقي للأسفار لم يبدأ قبل القرن السادس ق.م، وأن معظم الأسفار وصلت إلى صيغتها النهائية في الفترة بين العصر الفارسي والعصر الهلنستي.

أعادت المناهج النقدية الحديثة ومنها النقد التاريخي والنقد النصي والنقد اللغوي صياغة النظرة التقليدية حول تاريخ تدوين العهد القديم. وبينما كانت الدراسات القديمة تنسب التوراة إلى عصور مبكرة، تشير الأدلة الحديثة إلى أن الكتابة المنتظمة لم تظهر إلا بعد السبي البابلي، وأن العهد القديم كله نما خلال الفترة الممتدة من القرن السادس إلى القرن الثاني قبل الميلاد (Finkelstein & Silberman, 2001).

 

الأسس العلمية لتأريخ تدوين الأسفار

 

الأدلة اللغوية

تكشف دراسات اللغة العبرية عن وجود ما يعرف بـ"العبرية المتأخرة" التي تظهر في كثير من الأسفار، وهي مرحلة لغوية لا يمكن نسبتها إلى ما قبل السبي (Hurvitz, 1982; Young & Rezetko, 2008).

 

غياب الأدلة الأثرية

لم تشر الاكتشافات الأثرية إلى وجود نصوص كتابية متقدمة قبل القرن السادس ق.م، مما يدعم الرأي القائل ببداية التدوين بعد السبي (Dever, 2003).

 

تطور العقيدة اليهودية

يذهب عدد من الباحثين إلى أن التوحيد لم يظهر في إسرائيل إلا بعد السبي، وهو ما ينعكس في الطبقات المتأخرة للتوراة والأنبياء (Friedman, 1997).

 

ومن نسخة Chicago (نظام الحواشي الكاملة Full Notes & Bibliography)

أظهرت الدراسات اللغوية، ولا سيما أعمال هوروفيتز ودراسات يونغ وريزيتكو، أن كثيرًا من الأسفار تستخدم العبرية المتأخرة، وهي غير معروفة قبل السبي. كما تؤكد الاكتشافات الأثرية ضعف الأدلة على وجود نصوص متقدمة قبل القرن السادس ق.م. وتوضح الدراسات التاريخية مثل أعمال فنكلستاين وسيلبرمان.أن التقاليد التاريخية في التوراة تعكس رؤية لاهوتية لما بعد السبي. وتؤكد كتابات فريدمان أن التوحيد لم يظهر إلا بعد السبي، مما يعزز الرأي في تأخر التدوين لعدم الاتفاق على المعبود الذي سيتم تجميع بني إسرائيل عليه.

 

مراحل التدوين بعد السبي

1. المرحلة البابلية (550–500 ق.م)

شهدت هذه الفترة ظهور المصدر الكهنوتي وتجميع التقاليد الأساسية التي شكّلت التوراة بصورة أولية.

2. المرحلة الفارسية (500–400 ق.م)

تكوّنت فيها الصياغة النهائية للتوراة والأسفار التاريخية (يشوع – ملوك)، إضافة إلى أسفار عزرا ونحميا.

3. المرحلة الهلنستية المبكرة (350–200 ق.م)

ظهرت فيها الأسفار الحكمية والشعرية مثل الأمثال والجامعة والمزامير.

4. المرحلة الهلنستية المتأخرة (200–150 ق.م)

كُتبت فيها الأسفار الأخيرة مثل أخبار الأيام وسفر دانيال.

5. الإتفاق والجمع ( في القرن الأول الميلادي)

جمع جميع الكتب وترتيبها وإقرار الكتب القانونية من غيرا من الكتابات وفرز الحواشي من النصوص الأصلية للكتبة.

 

الخلاصة

  • تشير الأدلة العلمية إلى أن أسفار العهد القديم كُتبت وجُمعت بين القرنين السادس والثاني قبل الميلاد، وأن السبي البابلي شكّل نقطة التحول الحاسمة في عملية التدوين.
  • الكتابة الفعلية للأسفار: انتهت قبل الميلاد (نحو 150–165 ق.م).
  • إغلاق القانون اليهودي واعتماد الأسفار: تم بعد الميلاد (حوالي 90 م).

 

الفصل الثاني: عبادة "إلوهيم" — الآلهة أبناء "إيل" الممجَّدون

 

تُظهر النصوص العبرية المبكرة واللقى الأركيولوجية من كنعان والرافدين أن الإيمان في بداياته بين الجماعات الإسرائيلية الأولى لم يكن توحيديًا خالصًا، بل تعددياً منظّمًا يدور حول مجمع إلهي يترأسه الإله الأعلى إيل، الذي كان يُعدّ "أبًا للآلهة والبشر" بحسب الأدبيات الأوغاريتية.

ومن هذا الأصل انبثق مصطلح إلوهيم (אֱלֹהִים) والذي ورد في الأسفار الأولى، لا بمعنى الإله الواحد، بل كجمع يدل على "الآلهة" أو "أبناء إيل" — وهي فكرة نجدها بوضوح في العهد القديم قبل مرحلة التدوين البابلي. والذي ظهر جليا في حديث التعددية لوجود الآلهة:

"وَحَدَثَ لَمَّا تَرَدَّدَ إلوهيم عَلَيَّ..." (قالها إبراهيم عن الله).التكوين 20: 13

"لأَنَّهُ هُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ إلوهيم..." (عن يعقوب).التكوين 35: 7

"لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي". (الكلمة العبرية لـ "آلهة" هنا هي "إلوهيم" أيضاً).الخروج 20: 3 (الوصية الأولى)

هنا تُستخدم كلمة "إلوهيم" للدلالة على آلهة أخرى (جمع عدد)، مما يؤكد أن الكلمة في أصلها تدل على "تعدد الآلهة"

 

النص في الترجمات العربية: اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي: سفر المزامير (1:82)

ونجد في المخطوطات من النص العبري أن الترجمة العبرية الحرفية تقول "إلوهيم قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ إيل. بِوَسْط إلوهيم يَقْضِي... أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ إلوهيم، وَبَنُو العَلِيِّ كُلُّكُمْ".مزمور 82: 1، 6

 

التعددية في سياق النص: "وَقَالَ اللهُ "إلوهيم": «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»." (التكوين 1: 26).

"وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ»." (التكوين 3: 22).

"هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ». فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ،" (التكوين 11: 7-8).

"ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» فَقُلْتُ: «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي»." (إشعياء 6: 8).

"فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ." (التكوين 19: 24).

 

النص: وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟» فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!» فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ." (خر 3: 2-6).

 

1. دلالة مصطلح "بني إيل" في النصوص العبرية القديمة

تشير النصوص العبرية المبكرة إلى وجود مفهوم واضح عن مجمع إلهي سماوي، يقوده الإله الأعلى ويتألف من أبناء إلهيين أو كائنات شبه إلهية، وهو ما يُعرف في النصوص باسم בְּנֵי הָאֱלֹהִים (بني ها-إلوهيم) أي "أبناء الإله" أو "أبناء الآلهة".

 

وتظهر هذه الصيغة في أكثر من موضع، منها:

سفر التكوين 6: 2«رأى بنو الله بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء»

→ النص يُظهر بوضوح أن "بني الله" كائنات سماوية أو إلهية، لا بشرية.

سفر أيوب 1: 6«وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضًا بينهم»

→ النص يصف مجلسًا إلهيًا، يجتمع فيه أبناء الله أمام الرب، كما في مجمع "بني إيل" الأوغاريتي.

سفر المزامير 29: 1«قدّموا للرب يا أبناء الله، قدّموا للرب مجدًا وعزًا»

→ ما زال الخطاب موجّهًا إلى جماعة إلهية عليا، وليس إلى بشر.

تلك الصيغ تدل أن كلمة إلوهيم في أصلها لم تكن توحيدية، بل تعددية شرفية تُعبّر عن مقام المعبودين السماويين المرتبطين بـ"إيل".

 

2. الأصل الكنعاني لعبادة "إلوهيم"

تُظهر نصوص رأس شمرا (أوغاريت) من القرن الرابع عشر ق.م. أن المجمع الإلهي كان يُنسب إلى إيل، الذي يُلقب بـ إل دُو عَثَر وَأبو إلهيم (إيل أبو الآلهة).

وفيه يُذكر أن الآلهة الصغرى تُدعى إلوهيم أو بني إيل.

ومن هذا التراث الكنعاني انتقلت الفكرة إلى الفكر العبراني المبكر، حيث كانت جماعات إسرائيل ترى نفسها «شعب الإله»، أي الشعب المنتسب إلى مجمع الآلهة.

وقد عكست أسماء كثيرة هذا الأصل، مثل:

  • إسرائيل: بمعنى "أبناء إيل" وفي نص العهد القديم "يجاهد مع إيل"

وأسماء ملائكة مثل ميكائيل، جبرائيل، عزريئيل: وكلها تنتهي باسم "إيل"، رمزًا للانتماء إلى الإله إيل.

 

3. من "إيل" إلى "يهوه"

في المراحل المبكرة، كان إيل هو الاسم الأسمى في الوعي الديني الكنعاني والإسرائيلي معًا، أما يهوه فكان إلهًا محليًا في منطقة الجنوب (مديان، سعير، تيمان) قبل أن يُدمج تدريجيًا في منظومة إيل.

يبدو أن عملية الدمج تمت في فترة الملوك، ثم اكتمل التحول أثناء السبي البابلي، حين رُفع يهوه إلى مقام الإله الواحد، وأُزيلت الأسماء الأخرى من النصوص الرسمية.

وقد كشفت النقوش مثل نقش كونتيلة عجرود (حوالي القرن 8 ق.م.) عن عبارات مثل:

«يباركك يهوه وسكنته عشيرته»

مما يثبت أن يهوه لم يكن وحده في البداية، بل كانت له قرينة إلهية تُدعى "عشيرة"، وهي من رموز مجمع إيل القديم.

 

4. التحول النصي من الجمع إلى المفرد

إن استخدام كلمة إلوهيم (بصيغة الجمع) في الأسفار الأولى ثم تفسيرها لاحقًا كاسم مفرد يدل على تحول لغوي ولاهوتي.

فاللغة حفظت الصيغة القديمة، لكن الفكر اللاهوتي الجديد بعد السبي أعاد تفسيرها توحيديًا.

ففي سفر التكوين 1:1«في البدء خلق الله (إلوهيم) السماوات والأرض» – الكلمة إلوهيم جمع نحوي يرمز لتتعدد، لكن الفعل جاء بالمفرد (بَرَا)، مما يعكس فكرة وحدة الجوهر الإلهي المنتسبة للقوة الواحدة للآب "إيل" في فكر شعب إسرائيل.

 

5. الخلاصة

إن النصوص العبرية المبكرة تقدّم شهادة واضحة على أن عبادة "إلوهيم" كانت جماعية الأصل، مستمدة من المجمع الإلهي الكنعاني بقيادة "إيل".

ومع تطور اللاهوت العبراني بعد السبي البابلي، جرى إعادة تأويل المصطلح ليعني "الإله الواحد"، مع حذف الرموز الأخرى أو دمجها تحت اسم يهوه لتوحيد الاسم الإلهي.

هكذا نشأ التوحيد النصي من تعددٍ أصلي، وتحوّل مفهوم "إلوهيم" من "الآلهة أبناء إيل" إلى "الإله الواحد يهوى" إبن إيل المستحق للعبادة الوحيد.

 

2:2


Mohamed Awwad

7 Blog Postagens

Comentários