هل كان صراع قابيل وهابيل بسبب الزواج

دراسة نقدية للمصادر والروايات

هل كان صراع قابيل وهابيل بسبب الزواج؟

 

 

يُعدّ مقتل هابيل على يد أخيه قابيل أول حادثة قتل في تاريخ البشر، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم مختصرة، دون تفاصيل إضافية كثيرة. ومن أشهر القصص المنتشرة في كتب التفسير والتاريخ أن سبب الصراع بين الأخوين كان اختلافهما على الزواج من أختٍ لهما.

لكن ما مدى صحة هذه الرواية؟ وما مصادرها؟ وكيف قيّمها العلماء؟

تهدف هذه المقالة إلى جمع النصوص الأصلية من أهم التفاسير والكتب القديمة، ثم عرض تقييم العلماء لهذه القصة، مع بيان السبب الحقيقي المذكور في القرآن.

 

أولاً: الروايات التي ذكرت أن الصراع كان بسبب الزواج

 

1) تفسير الطبري – جامع البيان

ذكر الطبري رواية تشير إلى أن حواء كانت تلد في كل بطنٍ غلامًا وجارية، وأن الزواج كان يتم بالتبادل بين البطنين، وأن قابيل رفض أن يزوّج أخته لأخيه لكونها أجمل من أخت هابيل.

«كانت حواء تلدُ في كل بطن غلامًا وجارية… فيقولون إن قابيل أراد أن يتزوج توأمته، وكانت أخت هابيل أحسن… وقال آدم: زوِّج كل واحدٍ منكما أخت صاحبه، فأبى قابيل…».

والطبري ساق القصة بصيغة التمريض: "قالوا"، "يذكر"، مما يدل على عدم الجزم بصحتها.

 

2) تفسير ابن كثير

«وقد ذكر غير واحد من السلف والخلف أن سبب ذلك أنه كان يُزوِّج ذكر كل بطن بأنثى البطن الأخرى…

وإن قابيل أراد أن يستأثر بأخته، وكانت أجمل… وهذا كله من الإسرائيليات، ولم يَرِد فيه خبرٌ عن معصوم.»

(تفسير ابن كثير 3/82)

 

3) تفسير القرطبي – الجامع لأحكام القرآن

«وقيل: كان سبب القتل التزويج… وأن أخت هابيل كانت أحسن من أخت قابيل، وهي أخبار لا يصح منها شيء.»

 

4) عرائس المجالس للثعلبي

ذكر القصة بتفاصيل واسعة، وأن قابيل أراد أخته الجميلة، لكن روايات الثعلبي مشهورة بكثرة الإسرائيليات.

 

5) البداية والنهاية لابن كثير

«وقيل إن آدم أمرهما بتقريب قربانٍ بعد أن أراد أن يُزوِّج كل واحدٍ منهما أخت الآخر، فأبى قابيل… وهذا من أخبار أهل الكتاب.»

 

ثانيًا: تقويم العلماء لصحة قصة الصراع بسبب الزواج

1) ابن كثير

«هذه الروايات من الإسرائيليات التي لا دليل عليها.»

2) ابن حجر العسقلاني

«الروايات في تزويج أولاد آدم لا تثبت.»

(فتح الباري 6/371)

3) الشاطبي

«لا يُقبل في قصة تزويج أبناء آدم نقلٌ لا سند له.»

(الاعتصام)

4) الذهبي

وصفها بأنها من القصص الواهية المنقطعة.

(تلخيص العلل)

5) موقف الطبري

لم يصرح بصحتها ولا بضعفها، لكنه ساقها دون إسناد متصل وبأسلوب يدل على أنها أقوال لا يُجزم بصحتها.

 

ثالثًا: السبب الحقيقي للقتل كما ذكره القرآن

القرآن الكريم بيّن السبب بوضوح:

{إذ قربا قربانًا فتُقبّل من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر}

(المائدة: 27)

أي:

الحسد بسبب قبول قربان هابيل ورفض قربان قابيل

ولم يذكر القرآن أي إشارة للزواج أو لوجود امرأة كانت سبب النزاع.

 

رابعًا: هل يوجد أي حديث صحيح يذكر قصة الزواج؟

الجواب: لا يوجد.

لا في الصحيحين ولا في السنن ولا في المسانيد أي حديث صحيح أو ضعيف مرفوع للنبي ﷺ يثبت هذه القصة.

كل ما ورد هو من الإسرائيليات.

 

الخلاصة من المصادر الإسلامية

قصة صراع قابيل وهابيل بسبب الزواج مذكورة في كتب التفسير القديمة، لكنها بلا سند صحيح.

كبار العلماء، مثل ابن كثير، وابن حجر، والقرطبي، والذهبي، أجمعوا على أنها من الإسرائيليات.

القرآن الكريم يذكر أن السبب الحقيقي هو الحسد بسبب قبول القربان.

لا يوجد أي حديث صحيح يؤيد قصة الزواج.

 


ثاني من مصادر بني إسرائيل

 

ولم يذكر الكتاب المقدّس (العهد القديم) أي ذكر لصراع قابيل وهابيل بسبب الزواج.

النص الأصلي في سفر التكوين 4: 1–8 لا ذكر لأختين، ولا ذكر للزواج، ولا ذكر لتوأم، ولا ذكر لرفض التزويج، ولا وجود لامرأة في القصة أساسا.

 

النص العبري الأصلي – سفر التكوين 4: 1–8

النص العبري:

וְהָאָדָם יָדַע אֶת־חַוָּה אִשְׁתּוֹ…

וַתֹּלֶד אֶת־קַיִן…

וַתּוֹסֶף לָלֶדֶת אֶת־אָחִיו אֶת־הָבֶל

וַיְהִי הֶבֶל רֹעֵה צֹאן וְקַיִן הָיָה עֹבֵד אֲדָמָה

… וַיִּחַר לְקַיִן מְאֹד

… וַיֹּאמֶר קַיִן אֶל־הֶבֶל אָחִיו

וַיְהִי בִּהְיוֹתָם בַּשָּׂדֶה וַיָּקָם קַיִן אֶל־הֶבֶל אָחִיו וַיַּהַרְגֵהוּ

 

الترجمة:

وُلد قايين، ثم وُلد هابيل.

قدّم كل منهما قربانًا.

قبل الرب قربان هابيل ولم يقبل قربان قايين.

فغضب قايين وقتل أخاه في الحقل.

لا يوجد أي ذكر لامرأة، أو زواج، أو أخت، أو صراع عليها.


 

من أين جاءت قصة الزواج إذًا؟

القصة جاءت من الميدراش (Midrash) وهو تفسير يهودي شفوي متأخر.

أهم المصادر:

 

1) Midrash Bereshit Rabbah (בראשית רבה) – الإصحاح 22

ورد فيه:

أن حواء ولدت قايين وأخته.

ثم ولدت هابيل وأختين.

وأن قايين قال: “أنا آخذ الأخت الزائدة لأنها وُلدت مع هابيل."

فرفض هابيل.

وكان هذا سبب العداوة قبل تقديم القربان.

هذا هو أقدم مصدر معروف للقصة.

 

2) Targum Pseudo-Jonathan (ترجوم اليهود الآرامي)

ورد فيه أيضًا أن:

هابيل كانت له أختان.

قايين أراد الزواج منهما.

فحدث بينهما نزاع قبل تقديم القربان.

 

3) Pirkei de-Rabbi Eliezer (فصول ربي أليعازر)

ذكر الرواية بصيغة أوضح:

أن قايين قتل هابيل غيرةً على امرأة.

 

? ملخص الروايات اليهودية:

المصدر اليهوديماذا قال؟
Bereshit Rabbahهابيل له أختان، قايين له أخت واحدة.
Targum Pseudo-Jonathanقايين طالب بأخت هابيل الزيادة.
Pirkei de-Rabbi Eliezerالقتل بسبب امرأة.

 

➡️ هذه الروايات لا أصل لها في التوراة المكتوبة، بل في التفسيرات الشفهية.


Mohamed Awwad

7 وبلاگ نوشته ها

نظرات