Bene Elohim (בְּנֵי־הָאֱלֹהִים) أصل الحكاية 3:3

قصة بني إسرا-ئيل كما لم تعرفها من قبل

الفصل الحادي عشر والأخير

 

من التعدد إلى التوحيد: تطور الفكر الديني في المشرق القديم

1. التحولات الفكرية بعد إبراهيم

بعد المرحلة الإبراهيمية، بدأ التحول من التعدد إلى التوحيد ينتقل إلى المجتمعات الكنعانية والكلدانية.

كان الفكر الديني المشرقي قد مرّ بثلاث مراحل متعاقبة:

 

مرحلة الأساطير (المرتبطة بإيل الذي خلق نفسه بنفسه)

مرحلة الآلهة الأسرية (حيث تمركزت السلطة بعد “إيل” الواحد إلى أبنائه "إلوهيم" وبروز بعل ويهوى بين الأبناء).

ثم مرحلة التوحيد، التي نادت بفكرة الإله الواحد الخالق الجامع لكل الصفات.

يشير بعض الباحثين، مثل فرانك مور كروس (Frank M. Cross) في دراسته Canaanite Myth and Hebrew Epic، إلى أن الانتقال من تعددية الآلهة إلى وحدانية الإله لم يكن فجائيًا، بل عملية فكرية معقدة استمرت قرونًا من الجدال والصراع بين الفكر الكنعاني والكلداني والمصري.

 

2. صراع الرموز في الفكر الديني:

تُظهر النقوش الرافدية والأوغاريتية أن أبناء “إيل” السبعين دخلوا في صراعٍ على خلافة أبيهم بعد ضعف سلطته واعتزاله، وقد كان هذا الصراع يعكس حالة التوتر بين القوى الدينية والسياسية في المجتمعات القديمة.

برز “بعل” باعتباره وريث السلطة الأرضية والسيطرة على عناصر الطبيعة، بينما مثل “يهوى” الاتجاه الإصلاحي الذي حاول تحويل فكرة السلطة من الحرب والخصب إلى العدالة والنظام الأخلاقي.

من هنا بدأ الوعي الجمعي يتجه نحو إلهٍ روحي أكثر تجريدًا، لا يُعبد عبر الطقوس الحسية بل عبر الفكر والإيمان الداخلي.

 

3. التفاعل مع الفكر الكلداني:

تأثرت الكلدانية في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد بهذا التحول، إذ بدأت بعض المدارس الدينية في بابل وآشور تتحدث عن “القوة الواحدة” التي تحكم السماء والأرض.

وقد دمج الكلدانيون رموز بعل ويهوى في مفاهيمهم الفلكية، فصاروا ينظرون إلى الآلهة ككواكب تعبّر عن قوى لاهوتية متحدة في أصلها.

هذا الاتجاه نحو الوحدة الكونية يوازي التحول الإبراهيمي الذي رفض تعدد المعبودات، لكنه قدّم التوحيد من منظور فلسفي كوني، لا ديني تشريعي بعد.

 

4. مصر كمختبر للتوحيد الديني:

لعبت مصر دورًا مركزيًا في بلورة الفكرة التوحيدية، خاصة في عهد إخناتون (أمنحتب الرابع) الذي أعلن عبادة إلهٍ واحد هو “آتون” إله الشمس.

هذا الفكر الإخناتوني – رغم أنه لم يستمر سياسيًا – إلا أنه أثّر بعمق في الفكر الكنعاني والإبراهيمي، إذ أثبت أن التوحيد يمكن أن يكون أساسًا لنظام ديني رسمي.

ومن خلال التجارة والهجرات، انتقلت هذه الفكرة إلى كنعان وبلاد الرافدين، لتغذي التحولات اللاحقة في مفهوم الإله الأعلى الواحد.

 

5. من الأسطورة إلى الفلسفة:

بحلول القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، بدأت الميثولوجيا الكنعانية تفقد طابعها الأسطوري لصالح فكرٍ فلسفيٍ رمزي.

لم يعد “إيل” شخصية حقيقية في السماء، بل رمزًا للوجود الأول، ولم يعد “بعل” مجرد إله عاصفة، بل تمثيلًا للقوة الفاعلة في الكون.

أصبح “يهوى” هو الاسم الجامع الذي استوعب رموز “إيل” وخصائص “بعل”، ليصبح المفهوم الأكثر تجريدًا للإله الواحد في الفكر المشرقي المتأخر.

 

6. الخلاصة:

يمكن القول إن الفكر التوحيدي في المشرق القديم لم ينشأ بمعزلٍ عن التعددية، بل تطور من داخلها، عبر سلسلة من الصراعات الفكرية والدينية.

وكان إبراهيم حلقة محورية في هذا التحول، إذ ربط بين الفكر الكلداني والكنعاني والمصري، مؤسسًا لمرحلة الوعي بوحدانية الخالق.

وهكذا انتقل الإنسان المشرقي من عبادة قوى الطبيعة والخصب إلى الإيمان بالإله الواحد الجامع للوجود، وهي الفكرة التي شكلت الأساس الفلسفي والديني لكل الموروثات اللاحقة في التاريخ القديم.

 

العودة للجزء 1:3


Mohamed Awwad

4 Blog posts

Comments